إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا logo الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
66987 مشاهدة print word pdf
line-top
1- إثبات صفة النزول الإلهي إلى سماء الدنيا

[ فمن ذلك: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له؟ متفق عليه .]


(الشرح) قوله: (فمن ذلك: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا... .
هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة وهو مُخَرَّج في الصحيحين، وهو من جملة الأحاديث التي ردها المعتزلة ولم يقبلوها، وقد ثبت ثبوتا لا مفر منه، وقد نقله الذين نقلوا الشريعة، ولهذا يقول أبو الخطاب في منظومته في العقيدة:
قالوا النزول فقلت ناقله لنا قوم هم نقلوا شريعة أحمد

الذين نقلوه هم الذين نقلوا الشريعة.
فنقول للمعتزلة وغيرهم: فإما أن تقبلوا الشريعة كلها، وإما أن تردوها كلها، أما كونكم تقبلون ما يوافق معتقداتكم وتردون الباقي، فهذا تفريق بين ما جمع الله بينه؛ تفريق بين متماثلين، فمن قبل البعض دون البعض أشبه اليهود فيما ذكر الله عنهم في قوله: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة 85] وفي قوله : وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [ النساء: 150].
لا شك أن هذا تفريق بين متماثلين؛ لكونهم يقبلون أحاديث هذا الصحابي في حالة ويردونها في حالة، أما أهل السنة والجماعة فإنهم يؤمنون بهذا الحديث، وأن الله تعالى ينزل نزولا يليق به، كما يؤمنون بالمجيء الذي ذكره الله، في قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] وفي قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210 ] وفى قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [ الأنعام: 158 ] ويقولون: إن نزوله ومجيئه وإتيانه كما يليق به، ولا يتكلفون وراء ذلك، ولا يتقعرون؛ لأن المعتزلة والجهمية ونحوهم أخذوا يتساءلون ويقولون: إذا نزل، فهل يخلو منه العرش أم لا، هل تكون السموات فوقه أم لا؟، نقول: لا حاجة لنا في التكلف ولا نسأل شيئًا وراء ذلك، بل نؤمن بما أخبر، والله تعالى ليس كمثله شيء في صفاته، وكذلك في أفعاله، والنزول من الأفعال، فنؤمن بذلك.
والرسول عليه الصلاة والسلام ذكر هذا الحديث؛ لِيُرَغِّبَ الأمة في الصلاة آخر الليل، وكان عليه الصلاة والسلام يداوم على الصلاة في الثلث الأخير من الليل؛ لأنه كان ينام مبكرا بعد العشاء مباشرة، ثم يقوم الثلث الأخير كله أو النصف الأخير كله للتهجد بالليل، وكذلك جملة مستكثرة من صحابته.

وهكذا المسلمون في أغلب الأوقات يقومون آخر الليل، يتحرون ذلك الوقت الذي فيه هذا التودد من ربهم، فيتعرضون لنفحاته، فالله تعالى يتودد إليهم يقول: من يدعوني فأستجيب له فيتقربون إليه بكثرة الدعاء ذلك الوقت، من يستغفرني فأغفر له فيبادرون بكثرة الاستغفار وكذلك بكثرة التوبة، وكذلك بالإنابة إليه.
فإنهم فهموا من الحديث أنه تعالى يحثهم على هذه الأعمال فصاروا يتحينون ذلك الوقت الذي هو آخر الليل؛ لأجل الصلاة والاستغفار والدعاء والتوبة وصدقها وما أشبه ذلك، هذا هو الذي فهموه، ولم يكونوا يوجهون أنظارهم ولا يتقعرون في البحث عن كيفية نزوله، كما تبحث في ذلك المعتزلة ونحوهم .
ويستدلون بذلك أيضًا على أن ربهم هو العلي الأعلى بقوله: ينزل، فالنزول لا يكون إلا من أعلى، ولكن لا يكيفون العلو بكيفية إلا أنه تعالى هو العلي بجميع أنواع العلو .
فالحاصل أن في هذا الحديث دليل على إثبات صفة العلو ودليل على إثبات صفة النزول الذي يعتقده المسلمون وأنه تعالى ليس كمثله شيء لا في علوه ولا ارتفاعه، حيث إن ذلك لا ينافي قربه واطلاعه ومعيته لخلقه، وكذلك نزوله، لا ينافي علوه على عرشه واستواءه عليه وما أشبه ذلك من صفاته .

هكذا يعتقد المسلمون، وكلما اعتقد المسلم الواعي هذه الصفات دله ذلك وحمله على أن يعظم ربه، فتقع آثارها في قلبه، فيكون من تأثيرها أن يعبده حق عبادته، وألا يعبده في وقت من الأوقات دون وقت، بل تكون عبادته دائمة في كل وقت فإن عمل المؤمن دائم ليس فيه انقطاع.

line-bottom